الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **
*1* وهو المختلق المصنوع. اعلم: أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان، إلا مقروناً ببيان وضعه. بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب، على ما نبينه قريباً إن شاء الله تعالى. (59) وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً بإقرار واضعه، أو ما يتنزل منزلة إقراره. وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها. ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيراً مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة. والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضرراً قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتساباً فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركوناً إليهم. ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها، والحمد لله. وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني: أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب. ثم إن الواضع: ربما صنع كلاماً من عند نفسه فرواه، وربما أخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم، فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وربما غلط غالط، فوقع في شبه الوضع من غير تعمد، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. مثال: روينا عن أبي عصمة - وهو نوح بن أبي مريم -أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة. وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة. بحث باحث عن مخرجه، حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبِّين عليه. ولقد أخطأ الواحدي المفسر، ومن ذكره من المفسرين، في إيداعه تفاسيرهم، والله أعلم.
|